المنارة: وكالات
أعلن فريق من العلماء عن ابتكار تقنية حديثة تتيح ترجمة النشاط الدماغي إلى أوصاف نصية دقيقة تعكس ما يراه الإنسان أو يتذكره. يمثل هذا الإنجاز خطوة متقدمة نحو فهم أعمق للعقل البشري، ويفتح آفاقًا جديدة للتواصل مع الأفراد الذين فقدوا القدرة على الكلام.
وأطلق الباحثون على هذا الابتكار اسم “التعليق الذهني”، وهو نهج يعتمد على نماذج لغوية متقدمة لربط الإشارات العصبية بالمحتوى النصي بشكل متكامل ودقيق.
تعتمد الطريقة على التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) لتسجيل أنماط النشاط في الدماغ، ثم تستخدم خوارزميات لغوية مثل RoBERTa-large وDeBERTa-large لتحليل السمات الدلالية وتحويلها إلى جمل تصف ما يدور في ذهن الشخص.
وتُطوّر الأوصاف تدريجيًا عبر عملية تكرارية، مما يجعلها أكثر وضوحًا وتناسقًا مع مرور الوقت.
في التجارب الأولية، طُلب من ستة متطوعين مشاهدة أكثر من 2100 مقطع فيديو قصير، بينما كان يتم رصد نشاط أدمغتهم بدقة. ثم تم تحليل هذه المقاطع باستخدام نماذج تعلم آلي مدربة مسبقًا لاستخراج الخصائص اللغوية ومقارنتها بإشارات الدماغ.
وفي البداية كانت النصوص الناتجة غامضة وغير مكتملة، لكنها تطورت تدريجيًا لتصبح أوصافًا دقيقة للمشاهد، تعكس الأحداث والتفاعلات بوضوح، وبلغت دقة النتائج نحو 50%، وهي نسبة تفوق أساليب القراءة العصبية السابقة.
وفي مرحلة لاحقة، طلب الباحثون من المشاركين تذكر المقاطع التي شاهدوها، لقياس قدرة التقنية على تحليل الذكريات.
وأظهرت النتائج أن النظام استطاع إعادة توليد أوصاف نصية دقيقة تعبر عن محتوى المقاطع المستدعاة من الذاكرة، بنسبة دقة وصلت إلى 40% لدى بعض المشاركين. يرى العلماء أن هذه التقنية قد تمثل أملاً جديدًا لمرضى السكتات الدماغية أو من فقدوا القدرة على النطق، إذ يمكن أن تتيح لهم التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بلغة مكتوبة عبر تحليل نشاط الدماغ فقط. ومع ذلك، يشير الخبراء إلى أن التقنية لا تزال في مراحلها الأولى وتحتاج إلى تطوير ودقة أعلى قبل أن تُستخدم في التطبيقات الطبية أو التواصلية.
ورغم ما تحمله هذه التكنولوجيا من وعود طبية وإنسانية، إلا أنها تثير تساؤلات أخلاقية عميقة حول الخصوصية الذهنية وإمكانية إساءة الاستخدام.
وشدد العلماء على ضرورة الحصول على موافقة مسبقة وصريحة قبل أي تطبيق عملي، مؤكدين أن الوعي والضوابط القانونية يجب أن ترافق كل تطور في هذا المجال.
ويؤكد الباحثون أن هذه التقنية تمثل خطوة فارقة في فهم آلية تفكير الإنسان، وقد تمهد الطريق مستقبلاً لتقنيات تتيح التواصل المباشر بين العقول والأجهزة، ضمن حدود أخلاقية صارمة.






