مربون أفاضل من الدرجة الأولى، آباء وأمهات يمرون في حالة من الانفصام بالأفكار والمبادئ والقيّم التي تتطلبها السجية الإنسانية والفطرة الأخلاقية التربوية، أصبحوا يمرون في أزمة من الانتقادات على سلوكيات الآخرين وهم يكررون السلوكيات في اللاوعي، ماخرين عباب التصرفات نفسها في اللاشعور، تبدو التناقضات لديهم كشامة على جبين «أكل عليه الدهر وشرب»، جبين خطَّت عليه هالات التجاعيد من خبرات الحياة وتجارب اللحظات التي مروا بها ما يؤهلهم لأن يكونوا قادرين على إدارة الحياة بتفاصيلها وفصولها؛ لكنهم فضلوا أن يكونوا خارج الحياة، ويغردوا خارج السرب، مستديرين بأوهامهم الضبابية، متجاهلين كل من حولهم، ضاربين الحقائق بعرض الحائط. كما يقول فرانسوا دو لاروشفوكو: نسدي النصائح، لكنّنا لا نلهم الآخرين البتّة سلوكاً.
قد يمر البعض من أولياء الأمور على حالة من الأعراض التي لا تعد نفسية بقدر ما هي أمراض عضوية، مثلها مثل أي مرض عضوي آخر كالضغط والسكر والقلب ..وإلخ. فالانفصام في أغلب الأحيان يكون انفصاماً عضوياً، ويظهر على المرء مع مرور الوقت والزمن، وقد يؤثر في سلوكياته وربما يغيّر الكثير من أفكاره ومعتقداته مبادئه وخاصة في “التربية”، وتكون الرؤية لديه في حالة من التشويش والضبابية، وانعدام اتخاذ القرارات الصائبة، والصحيحة. ويقول المثل: “لا تعتمد التربية في الأساس على مدى فارق السن والتجربة، بل على سمات الشخصية، وهي تتطلب جهوداً أخلاقية متزنة، وتفرض على كل من يربي وأتباعه – على حد سواء -عبء ضبط النفس واتزان العقل.
فالمرء يمر بدرجات من الانفصام، منها العالية والشديدة، والمتوسطة، والبسيطة، وجميعها بحاجة إلى المتابعة الدورية والعلاج وتناول الدواء الذي يناسب الحالة ذاتها كي لا تزيد وتصبح مرضاً عضوياً مصاحباً لحالة من الأعراض النفسية المقلقة والعقيمة. وليس عيباً أن كانت هناك شخصيات تأثرت بمثل أي عرض عضوي قد يجعلها في حالة من اللاوعي التربوي، ولكن الخطأ بالاستمرارية في التراكمات السلبية، والتعزيز من السلوكيات بأفكار أشد فتكاً وأعظم بجاحة.
وكما تقول الحكمة: “التربوي الحقيقي يكتسب حكمته ويحافظ عليها فقط عن طريق إثبات تربيته في هذه الحياة”، فالتربية مشاركة، ومسألة جمعية وليست فردية تقع على عاتق «الأب والأم»، فالجميع معني في التربية، لإصلاح الآخر، وتنشئته في بناء شخصيته. حيث يؤكد أحد الفلاسفة في حديثه: لا تلقى معظم الأسر حتفها لأنها تتبع منهجاً خاطئاً، بل لأنها لا تستمع إلى الآخر، ولا تستشير بما تقوم فيه… متخذة شعار «أفراد الأسرة ملكية خاصة»، لا بد أن يكون لدى الأسرة قائدٌ قويٌ يرسم لها الطريق، وليس من الضروري أن يكون هذا الطريق أفضل الطرق- يكفي أن يكون طريقاً صحيحاً وواضحاً ومبنياً على أسس سليمة ومبادئ قويمة في المحتوى والمضمون.
ومن الضروري جداً ، حين يشعر ولي الأمر، في وهلة من حياته أنه يجلس في لحظة من الغربة على رغم كثرة المحيطين من حوله، يراجع نفسه، ويرى ذاته، ويقترب من أفكاره ويراجعها، ثم يذهب إلى من حوله بكامل وعيّه، مدركاً أن التربية مسألة جماعية، مشتركة.
ولهذا وجد نفسه ألكسندر أوجست لدرو، في لحظة من اللحظات قائلاً: «لقد خسرت أتباعي، ويجب أن أعرف إلى أين هم ذاهبون كي أتمكن من استعادتهم تحت قيادتي». فالأب والأم من المفترض أن تكون وظائفهم قيادية، والقيادة بحاجة إلى الكثير من الوعي والحكمة، والاستفادة من الآخرين وتجاربهم بفتح الحوارات والنقاشات وتبني الآراء الصحيحة وإن كانت مخالفة لآرائهم وأفكارهم، لكن تبقى المصلحة العامة هي الهاجس، وهي الخيط الرفيع الذي يجمع الأسرة ويلملم مشاعرها، ويقوي مسيرتها وعزيمتها وبقائها دائماً متحدة، ومتماسكة.
هزاع أبوالريش
Hazzza3abualreesh@gmail.com